وبلغ في الطب مبلغا لم يصل إليه غيره من الأطباء، وحصل من الأدب ما لم يدركه كثير من الأدباء، وكان فريدا في علم الرياضي، مجيدا في صنعة الموسيقى، جيد اللعب بالعود، لطيف النادرة، فصيح اللسان، جيد المعاني، لشعره رونق، وأتى مصر وأقام مدة بالقاهرة، ثم عاد إلى الأندلس، وحبس بالإسكندرية، لأنه كان قد غرق بها مركب فيه أموال جليلة، فالتزم بعمل آلات يخرج بها المركب بما فيه، وشرع في عمل الآلة بحبال الإبريسم، تنطوي على دواليب، ليرفع بها المركب الغارق، فغرم عليها جملة طائلة، فلما ظهر المركب الغارق وقارب الخارج، ثقل على الحبال، فقطعها وسقط إلى قعر البحر، فغضب الوالي عليه، وحبسه، فكتب إلى ابن الصيرفي يستشفع به، وبعث إليه بقصيدتين، يمدح بهما الأفضل ابن أمير الجيوش.
وأول الأولى:[مجزوء الكامل]
الشمس دونك في المحل ... والطيب ذكرك بل أجل
وأول الثانية:[الكامل]
نسخت غرائب مدحك التشبيبا ... وكفى بها غزلا ونسيبا
فأجابه بجواب وهو:[الطويل]
لئن سترتك الجدر عنا فربما ... رأينا جلابيب السحاب على الشمس
وردتني رقعة مولاي فأخذت في تقبيلها كأني ظفرت بيد مصدّرها، أو تمكنت من أنامل مسطرها، ووقفت على ما تضمنته من الفضل الباهر، وما أودعته من الجواهر التي قذف بها فيض الخاطر:[الطويل]
نكرر طورا من قراة فصوله ... فإن نحن أتممنا قراءته عدنا