وعمل له معاجين ولخالخ «١» طبية، وأنواع دخن دافعة للوباء وركب سفوف الرجفان الحادث عن المرة السوداء المحترقة، وكان يذكر أنه نقله عن راهب كان بالقدس فاضلا في الحكمة والطب، وأدرك الدولة العلوية «٢» بمصر، وصحب يعقوب بن كلس «٣» ، وزير المعز والعزيز، ولقي الأطباء بمصر وناظرهم. وحكي عن أبيه أنه سكر مرة سكرا مفرطا غلب على عقله، فسقط في بعض الخانات من موضع عال إلى أسفل الخان وهو لا يعقل، فحمله صاحب الخان وخدمه حتى أدخله الحجرة التي كان ساكنها، فلما أصبح قام وهو يجد وجعا ووهنا في مواضع من جسده، ولا يعرف لذلك سببا، فركب وتصرف في بعض أموره، إلى أن تعالى النهار، ثم رجع فقال لصاحب الخان: إني وجدت في جسدي وجعا وتوهّنا شديدا لست أدري ما سببه. فقال صاحب الخان: ينبغي أن تحمد الله على سلامتك. قال: فماذا؟. قال: أو ما علمت ما نالك البارحة؟. قال: لا.
قال: فإنك سقطت من أعلى الخان إلى أسفل، وأنت سكران. قال: ومن أي موضع؟. فأراه الموضع. فلما رآه حدث به للوقت من الوجع والضربان ما لم يجد معه سبيلا إلى الصبر، وأقبل يصيح ويتأوّه، إلى أن جاؤوه بطبيب ففصده، وشد على مفاصله المتوهّنة جبارا، وأقام أياما كثيرة إلى أن برأ وذهب عنه الوجع.
أقول: ومما يناسب هذه الحكاية أن بعض الناس كان في بعض أسفاره في مفازة، ومعه رفقة له، فنام في منزلة نزلها في الطريق ورفقته جلوس، فخرجت حية من بعض النواحي، فصادفت رجلا، فنهشته فيها، وذهبت، وانتبه مرعوبا من الألم وبقي يمسك رجله ويتأوه منها، فقال له بعضهم ما عليك مددت