عملت في أذنه حلقة لعاش؛ فعملتها. والملك الكامل هو الذي سمّاه بهذا الاسم لأنه طلبه مع غلام فقال له: من هومن الأطباء؟ فقال هو أبو حليقة. فعرف بذلك، وكان مذ كان منقطع القرين مهيبا لا يقتحم له عرين، معظّما في النفوس، متمما لمحاسن أهل الشموس، تجلّه الملوك وتحلّه حيث لا يصل إليه سلوك.
قال ابن أبي أصيبعة بعد الثناء الجميل عليه بالعلم والدين والمروءة إنه:" ربي بجعبر، وكان أبوه يلبسه زي الجند، فدخل الملك الكامل مرة الحمام قريبا من داره، فبعث إليه أبوه معه ماء ورد، وأطباق فاكهة، فقبلها الأمير وملأ أطباقه تفاصيل سنية، ثم دخل به على ابنه الملك العادل فلما رآه قال: هذا ابن الفارس لأنه عرفه بالشبه، فقال له: نعم. فالتفت إلى أبيه وكان قائما في الخدمة وقال له:
ولدك هذا ذكي لا تعلّمه الخدمة، فالجند عندنا كثير وأنتم أهل بيت تبرّكنا بطبكم، فسيّره إلى عمه أبي سعيد إلى دمشق ليقرئه الطب، ففعل، فمهر، ثم رحل إلى القاهرة وخدم الكامل وحظي لديه، وأقطعه ثم خدم من بعده إلى الملك الظاهر بيبرس على أجمل العوائد.
قال: وكانت له نوادر في العلاج؛ منها: أنه كان يعالج حظيّة الكامل كانت معه بالعباسية، ثم عرض للرشيد شغل دخل لأجله إلى القاهرة، وأقام بها ثمانية عشر يوما، ثم عاد فوجد الأطباء قد تردّدوا إليها، فلما حضر باشر معهم، فقالوا له: إن هذه على موت، والمصلحة أن نعلم السلطان بهذا قبل أن يفجأه أمرها بغتة، فقال لهم: الذي عندي أن هذه ما هي في مرض الموت. فقال له شيخ منهم: أنا باشرت المرضى أكثر منك. فطالع السلطان فلم يوافقه. فأجمع الأطباء على المطالعة بهذا إلا هو، فكتبوا إلى السلطان بموتها، فأرسل إليهم رسولا ومعه نجار ليعمل لها تابوتا تحمل فيه؛ فأتيا والأطباء جلوس، فقال له الرشيد: ما هذا؟