ذكره ديسقوريدس وجالينوس فيه ما يتعجب منه. أول اجتماعي به كان بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وست مائة، ورأيت أيضا من حسن عشرته، وكمال مروءته، وطيب أعراقه، وجودة أخلاقه، وكرم نفسه ما يفوق الوصف، ويتعجب منه، ولقد شاهدت معه في ظاهر دمشق كثيرا من النبات في مواضعه، وقرأت عليه أيضا تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدس، فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته وفهمه شيئا كثيرا، وكنت أحضر لدينا عدة من الكتب المؤلّفة في الأدوية المفردة، مثل كتاب ديسقوريدس وجالينوس، والغافقي، وأمثالها من الكتب الجليلة في هذا الفن، فكان يذكر أولا ما قاله ديسقوريدس من نعته وصفته وأفعاله، ويذكر أيضا ما قاله جالينوس فيه من نعته وأفعاله ومزاجه وما يتعلق بذلك، ويذكر أيضا ما قاله المتأخرون وما اختلفوا، ومواضع الغلط والاشتباه الذي وقع لبعضهم في نعته، فكنت أراجع تلك الكتب معه، ولا يغادر شيئا بما فيها، وأعجب من ذلك أيضا أنه كان ما يذكر دواء إلا ويعين في أي مقالة هو من كتاب ديسقوريدس وجالينوس، وفي أي عدد هو من جملة الأدوية المذكورة، وفي تلك المقالة.
وكان في خدمة الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب، وكان يعتمد عليه في الأدوية المفردة، والحشائش، وجعله في الديار المصرية رئيسا على سائر العشابين، وأصحاب البسطات، ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك الكامل رحمه الله بدمشق، وبعد ذلك توجه إلى القاهرة ثم خدم الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل، وكان حظيا عنده، مقدما في أيامه، وكانت وفاة ضياء الدين العشاب- رحمه الله- بدمشق في شهر شعبان سنة ست وأربعين وستمائة. وكتابه الجامع في الأدوية المفردة لا يوجد كتاب في الأدوية أجلّ ولا أجود منه، وصنّفه للملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل.