لقد حفظ هذا الكتاب ثروة كبيرة من شعر الشعراء، سواء الذي غني به أو لم يغن، وهذه الأشعار تغطي عصور الأدب من الجاهلي القديم وحتى عصر المؤلف مرورا بالعصر الأموي والعصور العباسية والأندلسية، وهناك أشعار كثيرة لم تحوها الدواوين لشعراء معروفين أو مجهولين، وخاصة في القسم الأخير الخاص بالشعراء المتأخرين، كما حفظ الكتاب روايات أخرى لأشعار الشعراء المشهورين وغير المشهورين، أما الأشعار التي لم تحوها الدواوين والكتب- وهي أشعار مستدركة على هذه الدواوين والكتب- فقد أشرت إليها ونبهت عليها بقولي:
(لم أجدها في ديوان فلان) ، ولم أستعمل لفظ القائلين:(أخل بها ديوانه) ، أو فات محقق الديوان هذا الشعر، لأن في هذا اتهاما للمحققين بالنقص في أعمالهم، وقد دأب على هذا بعض المحققين المبتدئين الذين يركبهم الغرور، لأن في تلك العبارات مسبّة وانتقاصا وعدوانية على محققي الدواوين وجامعي الشعر، ولا أحب العدوان والمعتدين، وجل من لا يغفل ويسهو.
وقد حوى القسم الأخير كذلك أسماء مغنين ومغنيات لم تعرف لهم تراجم، وأشعارا لشعراء من العصور المتأخرة التي لم تصلنا كتبهم ودواوينهم، فهو بذلك قد حفظ شعرا مجهولا وعرّف بأعلام غير معروفين لأهل المشرق خاصة، كما حفظ الكتاب المصطلحات الموسيقية المتأخرة التي لم يذكرها كتاب الأغاني ولم تكن معروفة في عصره وقد شاعت مسمياتها بعد عصر أبي الفرج الأصفهاني، ونعدّ كذلك من الفوائد التي حواها هذا الكتاب تلك النقول والاقتباسات التي نقلها عن كتب لم تصل، وليس لها ذكر في الكتب المتأخرة، وفيها أخبار المغنين والمغنيات ومصطلحاتهم الموسيقية واللحنية.
إن المؤلف كان واسع الثقافة غزير المعرفة، محبّا للشعر، وهو نفسه شاعر