أهلها: أتعيب بلدة يضرب بها المثل في الجاهلية والإسلام، قال: وبماذا تمدح؟
قلت: بصحة هوائها، وطيب مائها، ونزهة ظاهرها، تصلح للخف والظلف «١» ، سهل وجبل، بادية وبستان، بر وبحر، محل الملوك ومرادهم ومسكنهم ومأواهم وقدمتها- أصلحك الله- مخفّا فأصبحت مثقلا، ووردتها مقلا فأصارتك مكثرا، قال: وكيف نعرف ما وصفتها به من الفضل؟ قال: تصير إليها، ثم ادع بما شئت من لذات العيش، فو الله لا أجوز بك الحيرة فيه، قال: فاصنع لي صنيعا، واخرج من قولك، قال: أفعل، فصنع لهم طعاما فأطعمهم من خبزها وسمكها، وما صيد من وحشها من ظباء «٢» ، ونعام وأرنب وحبارى «٣» ، وسقاهم ماءها في قلالها، وخمرها في آنيتها، وأجلسهم على رقمتها «٤» ، ولم يستخدم لهم عبدا ولا حرا إلا من مولداتها ووصائف كأنهم اللؤلؤ، لغتهم لغة أهلها، ثم غناهم حنين وأصحابه فى شعر عدي بن زيد شاعرهم، وأعشى همدان، لم يتجاوزهما، وحياهم برياحينها، ونقلهم «٥» بفواكهها، ثم قال:[هل] رأيتني استعنت على شيء مما «٦» رأيت، وأكلت وشربت، وشممت وسمعت، بغير ما في الحيرة؟
قال: لا، ولقد أحسنت في صفة بلدك، وأحسنت نصرته، والخروج مما ضمنته، فبارك الله لكم في بلدكم.