قال عبيد بن حنين الحيري: كان المغنون «١» في عصر جدي أربعة نفر، ثلاثة بالحجاز، وهو وحده بالعراق، فالذين بالحجاز «٢» ابن سريج والغريض ومعبد، وكان بلغهم أن حنينا قد غنّى في هذا الشعر:«٣»[الكامل] .
هلا بكيت على الزّمان الذاهب ... وكففت عن ذمّ المشيب الآيب
هلا وربّ مسوّفين سقيتهم ... من خمر بابل لذّة للشّارب
بزجاجة ملء اليدين كأنّها ... قنديل فصح في كنيسة راهب
قال: فاجتمعوا فتذاكروا [أمر]«٥» جدّي، وقالوا: ما في الدنيا أهل صناعة شر منّا، لنا أخ بالعراق ونحن بالحجاز لا نزوره ولا نستزيره، اكتبوا إليه، فكتبوا إليه، ووجهوا إليه نفقة، وقالوا: نحن ثلاثة وأنت واحد، فأنت أولى بزيارتنا، فشخص إليهم، فلما كان على مرحلة من المدينة، بلغهم خبره، فخرجوا يتلقونه، فلم ير يوم كان أكثر حشدا ولا جمعا [من]«٦» يومئذ، ودخلوا المدينة، فلما صاروا ببعض الطريق، قال لهم معبد صيروا [إليّ] ، قال ابن سريج: إن كان لك في اليسر والمروءة مالمولاتي سكينة بنت الحسين عطفنا إليك، فقال: مالي من ذلك شيء، فعطفوا على منزل سكينة، فأذنت لهم إذنا عاما، فغصّت الدّار بهم، فصعدوا في السطح، وأمرت لهم بالأطعمة، فأكلوا، ثم سألوا جدّي أن يغنيهم صوته: