منه، فقالت: دونك، فأكلت وشربت من اللبن حتى رويت، ثم قلت: يا أمة الله، ما أنست اليوم أكرم منك، ولا أحقّ بالفضل، فهل ذكرت من ضالتي ذكرا؟
فقالت: أجل، ترى هذه الشجرة فوق الشرف «١» ، قلت: نعم، قالت: فإن الشمس غربت أمس وهي تطيف حولها، ثم حال الليل بيني وبينها، فقمت وجزيتها الخير، وقلت: والله لقد تغدّيت وتروّيت، فخرجت حتى أتيت الشجرة، فأطفت بها، فو الله ما رأيت من أثر، فانصرفت إلى صاحبي، فإذا هو متّشح في الإبل بكسائه، ورافع عقيرته «٢» يغني، فقلت: السلام عليك، قال:
وعليكم السلام، قال: ما وراءك؟ قلت: ما ورائي من شيء، قال: لا عليك، فأخبرني بما فعلت، قال: فقصصت عليه القصة، حتى انتهيت إلى ذكر المرأة وأخبرته بالذي صنعت، قال: قد أصبت ضالتك، فعجبت من قوله ولم أجد شيئا، ثم سألني عن صفة القدح والصفحة، فوصفتها له، فتنفّس الصعداء، ثم قال: أصبت طلبتك، ثم ذكرت له الشجرة وأنها رأتها تطيف بها، فقال:
حسبك، فمكثت حتى إذا أوت إبلي إلى مباركها، دعوته إلى العشاء، فلم يدن، وجلس عني بمزجر الكلب، فلما ظنّ أنّي قد نمت رمقته، فقام إلى عيبة «٣» له، فاستخرج منها بردين، فأتزر بأحدهما، وارتدى بالآخر، ثم انطلق عامدا نحو الشجرة، واستبطنت الوادي، فجعلت أحضر، حتى إذا خفت أن يراني انبطحت فلم أزل كذلك حتى سبقته إلى شجرات قريبة من تلك الشجرة حيث أسمع كلامهما، فاستترت بهما، وأقبل حتى إذا كان غير بعيد، قالت: اجلس، فو الله لكأنه لصق بالأرض، فسلم عليها وسألها عن حالها أكرم سؤال ما سمعته قط،