قال إسحاق: جلس الأبجر في ليلة اليوم السابع من أيام الحج على قرب من التنعيم «١» ، فإذا عسكر جرّار قد أقبل في آخر الليل، وفيه دواب تجنب وفيها [ص ٣٣] فرس أدهم [سرج] حليته ذهب، فاندفع يغنّي:«٢»[الطويل]
عرفت ديار الحيّ خالية قفرا ... كأنّ بها لما توهمتها سطرا
فلما سمعه من في القباب والمحامل أمسكوا، وصاح صائح: ويحك أعد الصوت، فقال: لا والله، إلا بالفرس الأدهم، بسرجه ولجامه وأربعمائة دينار، وإذا الوليد بن يزيد صاحب العسكر، فنودي أين منزلك؟ ومن أين أنت؟ قال: أنا الأبجر، ومنزلي على رأس زقاق الخرازين، فغدا إليه رسول الوليد بذلك الفرس وأربعمائة دينار وتخت من ثياب وشي وغير ذلك، ثم أتى به الوليد فأقام عنده وقام مع أصحابه عشية التروية «٣» ، وهو أحسنهم هيئة وخرج معه إلى الشام.
قال عمر بن حفص بن كلاب: كان الأبجر مولانا، وكان إذا قدم المدينة نزل علينا، فقال لنا يوما: أسمعوني غناء ابن عائشتكم هذا، فأرسلنا إليه فجمعنا بينهما في بيت ابن هفان «٤» ، فغنّى ابن عائشة، فقال الأبجر: كل مملوك لي حر إن غنّيت معك إلا بنصف صوتي «٥» ، ثم أدخل إصبعه في شدقه، ثم غنّى، فسمع صوته من في السوق فحشر النّاس علينا، فلم يفترقا حتى تشاتما، قال: