قال إبراهيم بن المهدي: حدثني ابن أشعب عن أبيه قال: دعا الوليد بن يزيد ذات يوم المغنين، وكنت نازلا معهم، فقلت للرسول: خذني معهم، قال: لم أؤمر بذلك، وإنما أمرت بإحضار المغنّين، وأنت بطّال «١» لا تدخل فيهم، فقلت له:
والله أنا أحسن غناء منهم، ثم اندفعت فغنيت، فقال: لقد سمعت حسنا، ولكني أخاف، فقلت: لا خوف عليك ولك مع هذا شرط، قال: وما هو؟ قلت:
كل ما أصبته فلك شطره، فقال للجماعة: اشهدوا عليه، فشهدوا، ومضينا فدخلنا على الوليد وهو خاثر «٢» النفس، فغناه المغنون في كل فن من ثقيل وخفيف، فلم يتحرك ولا نشط، فقام الأبجر إلى الخلاء، وكان خبيثا داهيا، فسأل الخادم عن خبره وبأي شيء هو خاثر النفس، فقال: بينه وبين امرأته كلام، لأنه عشق اختها فغضبت عليه، وهو إلى أختها أميل، وقد عزم على طلاقها، وحلف لها لا يذكرها بمراسلة ولا بمخاطبة، وخرج على هذا الحال من عندها، وعاد الأبجر إلينا [ص ٣٤] فما استقر به مجلسه حتى اندفع يغني: «٣»[الطويل]
فبيني فإني لا أبالي وأيقني ... تصاعد باقي حبّكم أم تصوبا
ألم تعلمي أني عزوف عن الهوى ... إذا صاحبي من غير شيء تغضّبا
فطرب الوليد وارتاح، وقال: أصبت والله يا عبيد [الله] ما في نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم، وشرب حتى سكر، ولم يحظ أحد بشيء سوى الأبجر، فلما أيقنت بانقضاء المجلس، وثبت وقلت: يا أمير المؤمنين إن أمرت من يضربني مئة الساعة، فضحك ثم قال: قبحك الله، وما السبب في ذلك؟ فأخبرته بقصتي مع الرسول، فأريد أن أضرب مئة ويضرب بعدي مئة، فقال: لقد ألطفت، بل