إذا أحسن كان قد ضرب، توقع الضرب فلا تبين أناملها اللمس، وتضرب بالدّفّ فلا يظنّ إلا أن البدر في يد الشمس، ولع بها الواثق أشد الولوع، وكان يضنّ بها على من بعده، ويجري «١» الدموع.
قال أبو الفرج، قال علي بن يحيى المنجم: حدثني محمد بن الحارث بن بسخنّر قال: كانت لي في خدمة الواثق في كل جمعة نوبة، إذا حضرت، ركبت إلى الدار، فإن نشط للشرب [ص ٣٥] أقمت عنده، وإن لم ينشط انصرفت، وكان رسمنا ألا يحضر أحد منا إلا في يوم نوبته، فإني لفي منزلي في غير يوم نوبتي، إذا رسل الواثق قد هجموا عليّ وقالوا لي: احضر، قلت: لخير؟ قالوا:
خيرا إن شاء الله، فقلت: إن هذا يوم لم يحضرني فيه أمير المؤمنين قط، ولعلكم غلطتم، قالوا: الله المستعان، لا تطل وبادر، فقد أمرنا أمير المؤمنين أن لا ندعك تستقر على الأرض، فداخلني فزع عظيم، وخفت أن يكون ساع سعى عليّ، أو بلية قد حدثت في رأي الخليفة فيّ، فتقدمت لما أردت حتى وافيت الدار [فذهبت] لأدخل «٢» من حيث كنت أدخل، فمنعت، وأخذ بيدي الخادم، فعدلوا بي إلى ممرات لا أعرفها، فزاد ذلك من جزعي، ثم لم يزل [الخدم] يسلموني من خدم إلى خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصحن «٣» ، ملبسة الحيطان بالوشي المنسوج بالذهب، ثم أفضيت إلى رواق أرضه وحيطانه ملبسة