أخرجني إلى ما رأيت، فسرّي عني، وقلت: بل يقتل جعفر ويحيا أمير المؤمنين أبدا وقبّلت الأرض وقلت: الله الله يا أمير المؤمنين ارحمها فأمر بردّها، فقال لبعض الخدم الوقوف من يجيء بها، فلم يكن بأسرع من أن أقبلت وفي يدها عودها، وعليها غير الثياب التي كانت عليها، فلما رآها جذبها إليه وعانقها، فبكت وجعل يبكي، واندفعت أنا في البكاء، وقالت: ما ذنبي يا مولاي، وبأي شيء استوجبت هذا، فأعاد عليها ما قاله لي وهو يبكي، فقالت: سألتك الله يا أمير المؤمنين إلا ضربت عنقي السّاعة وأرحتني من الفكر في هذا، وأرحت نفسك من الهم، وجعلت تبكي ويبكي، ثم مسحا أعينهما، ورجعت إلى الغناء، وأومأ إلى خدم فمضوا وأحضروا أكياسا فيها عين وورق «١» ، ورزما فيها ثياب كثيرة، وجاء خادم بدرج ففتحه فأخرج منه عقدا ما رأيت مثله قط فألبسها إيّاه، وأحضرت بدرة «٢» فيها عشرة آلاف درهم فوضعت بين يديّ، وخمسة تخوت «٣» ثياب، وعدنا إلى أمرنا، وإلى أحسن ما كنا فيه، فلم نزل كذلك إلى الليل، ثم تفرقنا.
وضرب الدهر من ضربه، وتقلد المتوكل الخلافة، فو الله إني لفي منزلي في غير يوم نوبتي، إذ هجم عليّ رسل الخليفة، فما أمهلوني حتى ركبت وصرت إلى الدار، فأدخلت والله الحجرة بعينها، وإذا المتوكل في الموضع الذي كان فيه الواثق بعينه، وعلى ذلك السرير، وإلى جانبه فريدة، فلما رآني قال: ويحك ما ترى ما نحن فيه من هذه! أنا من غدوة أطلبها أن تغني فتأبى ذلك، فقلت: سبحان الله، تخالفين سيدك وسيد البشر، بحياته غني، فضربت والله العظيم واندفعت