ودعا بمعبد فأمره أن يغني صوتا، فغناه، ثم قال لمالك: هل تستطيع أن تقوله؟ قال:
نعم، قال: هاته، فاندفع فغناه وأدى نغمته بغير شعر يؤدي مدّاته وليّاته وعطفاته ونبراته وتعليقاته، ولا يخرم حرفا، فقال لمعبد: خذ هذا الغلام وخرجه فليكونن له شأن، قال معبد: ولم أفعل ذلك؟ قال: لتكون محاسنه منسوبة إليك، وإلا عدل إلى غيرك وكانت محاسنه منسوبة إليه، فقال: صدق الأمير، وأنا أفعل ما أمرني به، ثم قال حمزة لمالك: كيف وجدت ملازمتك لبابنا؟ قال: والله ثم والله، ما شبعت على بابك شبعة قط، ولا انقلبت إلى أهلي منه بخير، فأمر له ولإخوته وأمه بمنزل، وأجرى لهم رزقا وكسوة، وأمر لهم بخادم يخدمهم وعبد يسقيهم الماء، وأجلس مالكا معه في مجلسه، وأمر معبدا أن يطارحه، فلم يلبث أن مهر وحذق، وكان ذلك بعقب مقتل هدبة بن خشرم «١» ، فخرج مالك يوما فسمع امرأة تنوح على زيادة الذي قتله هدبة بشعر أخي زيادة:«٢»[الطويل]
أبعد الذي بالنّعف نعف كويكب ... رهينة رمس ذي تراب وجندل «٣»
أذكّر بالبقيا على ما أصابني ... وبقياي أنّي جاهد غير مؤتلي
فلا يدعني قومي كريما لحرّة ... لئن لم أعجّل ضربة أو أعجّل «٤»
فغنّى في هذا الشعر لحنين «٥» ، أحدهما نحا فيه نحو المرأة في زوجها ورققه وأصلحه وزاد [فيه] ، والآخر نحا فيه نحو معبد في غنائه، ثم دخل على حمزة