الرشيد إلى جعفر وقال: سمعت كذا قط؟ قال جعفر: لا والله ما خرق مسامعي قط مثله، فرفع الرشيد رأسه إلى خادم له بالقرب منه، فدعا [ص ٥٦] بكيس فيه ألف دينار فرمى به إليّ، فصيرته تحت فخذي ودعوت لأمير المؤمنين، فقال جعفر: يا بن جامع، ردّ على أمير المؤمنين الصوت، فرددته وتزيدت في غنائي، فقال له جعفر: يا سيدي، ما تراه كيف يتزيّد في الغناء؟ هذا خلاف ما سمعنا أولا، وإن كان الأمر في اللحن واحدا، ثم دعا بكيس آخر فيه ألف دينار، فجاءني به، فصيرته تحت فخذي، وقال: تغنّ «١» يا إسماعيل ما حضرك، فجعلت أقصد الصوت بعد الصوت مما كان يبلغني أنه يشتري عليه الجواري، فأغنيه فلم أزل أفعل ذلك إلى أن عسعس «٢» الليل، فقال: أتعبناك يا إسماعيل هذه الليلة بغنائك، فأعد على أمير المؤمنين الصوت، يعني صوت الجارية، فغنّيت به، فدعا بكيس ثالث فيه الف دينار، قال: فذكرت ما كان من قول الجارية فتبسمت، فقال: يا بن الفاعلة ممّ تتبسّم؟ فجثوت على ركبتي وقلت: يا أمير المؤمنين، الصدق منجاة فقال بانتهار:
قل، فقصصت عليه خبر الجارية، فقال: صدقت قد يكون هذا، وقام فنزل عن السرير، وبقيت لا أدري أين أقصد، فابتدرني فرّاشان، فصارا بي إلى دار قد أمر لي بها أمير المؤمنين، ففرشت وجعل فيها جميع ما يكون في مثلها من آلة جلساء الملوك وندمائهم، فدخلت بغداد فقيرا وأصبحت من جلّة أهلها ومياسيرهم.
قال: كان ابن جامع يعدّ [صيحة الصوت]«٣» قبل أن يصنع عمود اللحن.
قال ابن جامع: لولا أن القمار وحبّ الكلاب قد شغلاني ما تركت أحدا من المغنّين يأكل خبزا.