منعتني أقلّ من ذلك شربة ماء تجزئني «١» . قال: فسقاني حتى رويت وأقمت عنده إلى وقت الرواح، فلما رأيت الرحلة قال: بأبي أنت وأمي، الحر شديد ولا آمن عليك مثل هذا الذي أصابك، فتأذن لي في أن أحمل قربة من ماء على عاتقي وأسعى بها معك، فكلما عطشت سقيتك صحنا «٢» وغنّيتني صوتا.
قال: قلت ذلك [لك] ، قال: فأخذ قربة فملأها ماء باردا من ذلك الماء، وحملها على عاتقه، وركبت أنا راحلتي، فأقبل يسقيني شربة وأغنّيه صوتا حتى بلغت المنزل الذي أردت ولحقت بغلامي وثقلي «٣» .
قال إسحاق: حدّثني سياط عن يونس الكاتب قال: كان معبد قد علّم جارية من جواري الحجاز الغناء تسمى (ظبية الوادي) وعني بتخريجها، فاشتراها رجل من أهل العراق، فأخرجها إلى البصرة، وباعها هناك، فاشتراها رجل من أهل الأهواز فأعجب بها، وذهبت به كل مذهب، وغلبت عليه، ثم مات، بعد أن أقامت عنده زمانا، فأخذ جواريه أكثر غنائها [عنها] وكان لمحبته [إيّاها] وأسفه عليها، لا يزال يسأل عن معبد وأين [ص ٦٠] مستقره، ويظهر التعصب له والميل إليه، والتقديم لغنائه على سائر أغاني أهل عصره، إلى أن عرف ذلك منه، وبلغ معبدا خبره، فخرج إليه، فلما قدم البصرة، صادف الرجل قد خرج منها في ذلك اليوم إلى الأهواز، فلم يجد إلا سفينة الرجل، وليس يعرف أحدهما صاحبه، فأمر الرجل الملاح فأجلسه معه في مؤخرة السفينة، ففعل ذلك وانحدر، فلما صاروا في نهر الأبلّة «٤» تغدوا وشربوا، وأمر جواريه فغنّين ومعبد ساكت، وهو [في]