القصر فالنّخل فالجمّاء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
[ص ٥٩] فإذا الغلام معبد، فلما سمعاه مالا إليه فاستعاداه منه، فسمعا شيئا لم يسمعا مثله قط، فأقبل أحدهما على الآخر فقال: هل سمعت مثل هذا قط؟
قال: لا والله، قال: فما رأيك؟ قال ابن سريج: هذا غناء غلام يتصيد الطير، فكيف بمن في الحومة؟ - يعني المدينة- أما أنا فثكلته والدته إن لم يرجع، فكرّا راجعين.
قال إسحاق: أخبرت عن معبد أنه قال «١» : بعث إليّ بعض أمراء مكة بالشخوص إليه، فشخصت، قال: فتقدمت غلامي في بعض الطريق واشتد عليّ الحر والعطش فانتهيت إلى خباء فيه غلام أسود، وإذا حباب «٢» ماء قد بردت، فملت إليه، وقلت: يا هذا، اسقني من هذا الماء شربة، قال: لا، قلت: تأذن لي في أن أكنّ «٣» ساعة؟ فأنخت ناقتي ولجأت إلى ظلها واستترت به، وقلت: لو أحدثت «٤» لهذا الأمير شيئا أقدم [به] عليه، ولعلي أيضا إن حرّكت لساني أن يبتلّ حلقي بريقي فيخف عني بعض ما أجده من العطش، فترنمت بصوتي:«٥»[البسيط]
القصر فالنّخل فالجمّاء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
فلما سمعه الأسود، ما أشعر إلا وهو قد حملني حتى أدخلني خباءه، وقال:
بأبي أنت وأمي، هل لك في سويق السّلت «٦» بهذا الماء البارد؟ قلت: قد