ثم قال لمالك: هات صوتك، فغناه مالك، فقال: أحسنت والله ما شئت، فقال له مالك: وإنما هو ابن شهر «١» ، فكيف تراه يا أبا يحيى إذا حال عليه الحول؟ قال دحمان: فحدثني [ص ٦٥] معبد أن ابن سريج غضب عند ذلك غضبا شديدا، ثم رمى بالحناء من يده وأصابعه، ثم قال: يا مالك، لي تقول هذا هو ابن شهر «١» ؟
اسمع ابن ساعته، ثم قال: يا أبا عباد، أنشدني القصيدة التي تغنيتما فيها «٢» ، فأنشدته القصيدة حتى انتهيت إلى قوله:«٣»[الرمل]
تنكر الإثمد ما تعرفه ... غير أن تسمع منه بخبر
فصاح بأعلى صوته: هذا خليلي، وهذا صاحبي، ثم تغنّى فيه، فانصرفا مغلوبين مفضوحين، من غير أن يقيما بمكة ساعة واحدة.
قال: لما ضادّ ابن سريج الغريض وتلاحيا، جعل ابن سريج لا يغنّي صوتا إلا عارضه الغريض يغني فيه لحنا غيره، وكانت في بعض أطراف مكة دار يأتيانها «٤» كل جمعة، ويجتمع إليهما ناس كثير، فيوضع لكل واحد منهما كرسيّ يجلس عليه، ثم يتقاضيان الغناء ويترادّانه، فلما رأى ابن سريج موقع الغريض وغنائه من الناس لقربه من النوح وشبهه به، مال إلى الأرمال والأهزاج «٥» ، فاستخفها الناس، وقال له الغريض: يا أبا يحيى، قصرت الغناء وحذفته وأفسدته، قال: نعم يا مخنث، جعلت «٦» تنوح على أبيك وأمك ألي أن تقول هذا، والله لأغنّينّ