خرج وبه بقية من العلة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وموضع مصلاه، فلما قدم المدينة نزل على بعض إخوانه من أهل النّسك والقراءة، وكان أهل الغناء يأتونه فيسلمون عليه فلا يأذن لهم في الجلوس بالمحادثة له «١» ، فأقام بالمدينة حولا:
حتى لم يحس في علته بشيء، وأراد الشخوص فبلغ سكينة بنت الحسين «٢» ، فاغتمت اغتماما شديدا وضاق صدرها [ص ٦٩] وكان أشعب يخدمها، وكانت تأنس به وتضاحكه، فقالت: ويلك، إن ابن سريج شاخص، وقد دخل المدينة منذ حول، ولم أسمع من غنائه لا قليلا ولا كثيرا وتعذّر ذلك عليّ فكيف الحيلة في الاستماع منه ولو صوتا واحدا؟ فقال لها أشعب: جعلني الله فداك، أنّى لك بهذا والرجل زاهد ولا حيلة لك فيه؟ فارفعي طمعك والحسي بوزك «٣»[تنفعك]«٤» حلاوة فمك، فأمرت بعض جواريها فوطئت بطنه حتى كادت تخرج أمعاؤه، وخنقته حتى [كادت] تزهق روحه، ثم أمرت فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجا عنيفا، فخرج واغتمّ غما شديدا، وندم على ممازحتها في وقت لم ينبغ له ذلك فيه، فأتى منزل ابن سريج ليلا فطرقه، فقيل له: من هذا؟ قال:
أشعب، ففتحوا له، فرأى على وجهه ولحيته التراب، والدم سائل من أنفه وجبهته على لحيته، وثيابه ممزقة، وبطنه وصدره قد عصرهما الدوس والخنق.