الإحسان، وكانت أيامه أيام الورد في نيسان، محلا النجاد بأدب حل منه النجاد، ووقار رأى الطود إليه الافتقار، وهو من أبناء الشيعة العباسية في رأس فرقها، ومجمع طرفها، صعدت فيها جدوده الذروة، وسعدت لتمسكها بالعروة، وكان عبد الله يتكلم الغناء وهو معبده وغريضه، ويده فيه لا تقصر به ولا نهوضه [ص ٩٩] إنما كان يخاف به الإزراء، وتعدّ أصواته المنسوبة إليه الأرزاء.
قال أبو الفرج: أعطي عبد الله بن طاهر مال مصر لسنة، خراجها وضياعها، فوهبه كله وفرقه على الناس، ورجع صفرا من ذلك، فغاظ المأمون فعله، فدخل إليه يوما بعد مقدمه فأنشده «١» : [البسيط]
نفسي فداؤك والأعناق خاضعة ... للنائبات أبيّا غير مهتضم
إليك أقبلت من أرض أقمت بها ... حولين بعدك في شوق وفي ألم
أقفو مساعيك اللاتي خصصت بها ... حذو الشّراك على مثل من الأدم
فكان فضلي منها أنّني تبع ... لما سننت من الإحسان والكرم
فضحك المأمون وقال: والله ما نفست عليك مكرمة نلتها «٢» ، ولا أحدوثة حسن عنك ذكرها، ولكن هذا شيء إذا عودته نفسك افتقرت ولم تقدر على لمّ شعثك ولا إصلاح حالك، وزال ما كان في نفسه.
وقال غيره: لما افتتح عبد الله بن طاهر مصر، سوغه المأمون خراجها، فصعد المنبر، فلم يزل حتى أجاز بها ثلاثة آلاف ألف دينار ونحوها، فأتاه معلّى الطائي وقال: اعلموه ما صنع، وكان واجدا عليه، فوقف بين يديه تحت المنبر وقال:
أصلح الله الأمير، أنا معلّى الطائي، وقد بلغ منّي ما كان منك من جفاء وغلظة،