أو لأبوحنّ حتى يحجبوا سكني «١» ... فلا أراه ولو أدرجت في كفني
قال: فصنعت فيهما لحنا ثم غنيته إياه، «٢» فأغمي عليه، حتى ظننته قد مات، ثم أفاق فقال: أعد فديتك، فناشدته الله في نفسه، وقلت: أخشى أن تموت، فقال: هيهات، أنا أشقى من ذلك، وما زال يخضع ويتضرع «٣» حتى أعدته، فصعق صعقة أشد من الأولى، حتى ظننت أن نفسه قد فاضت «٤» ، فلما أفاق رددت عليه الدنانير ووضعتها بين يديه، وقلت له: يا هذا خذ دنانيرك وانصرف عني، فقد قضيت حاجتك وبلغت طرفا مما أردته، ولست أحب أن أشرك في دمك، فقال: يا هذا، لا حاجة لي في الدنانير، وهذه مثلها لك، وأخرج مثلها ثلاث مئة دينار أخرى فوضعهما بين يدي وقال: أعد الصّوت عليّ مرة أخرى وخلاك ذم، فشرهت نفسي إلى الدنانير، فقلت:
لا والله ولا بعشرة أمثالها، إلا على ثلاث شرائط، قال: وما هن؟ قلت:
أولهن أن تقيم عندي، وتتحرّم بطعامي، والثانية أن تشرب أقداحا من النبيذ تشد قلبك ويسكن مما بك، والثالثة أن تحدثني بقضيتك، قال: أفعل ما تريد، فأخذت الدنانير ودعوت بالطعام فأصاب منه إصابة معذر «٥» ، ثم دعوت بالنبيذ فشرب أقداحا، وغنيّته بشعر غيره في نحو من معناه، فجعل يبكي أحر بكاء