وينشج «١»[ص ١٠٣] أشد نشيج، فلما رأيت النبيذ قد شد قلبه، كررت عليه صوته مرارا ثم قلت: حدثني حديثك، قال: أنا رجل من أهل المدينة، وخرجت متنزها في ظاهرها، وقد سال العقيق في فتية من أترابي، فبصرنا بفتيات قد خرجن لمثل ما خرجنا له، فجلسن حجزة «٢» منا، وبصرت بفتاة كأنها قضيب قد طله الندى، فأطلنا وأطلن حتى تفرق الناس، وانصرفت وقد أثبتت في قلبي جرحا بطيئا اندماله، فعدت إلى منزلي وأنا وقيذ «٣» ، وخرجت من الغد إلى العقيق وليس به أحد، فلم أر لها أثرا، فجعلت أتبعها في طرق المدينة وأسواقها، فلم أحسّ لها بعين ولا أثر، وسقمت حتى أيس مني أهلي، وخلت بي ظئر لي «٤» واستعلمتني وضمنت لي كتمانها والسعي فيما أحبه، فأخبرتها بقضيتي، فقالت: لا بأس عليك، هذه أيام الربيع، وهي سنة خصب وأنواء، وليس يبعد عنك المطر، فأخرج أنا وأنت إلى العقيق، فإن النسوة سيجئن، فإذا فعلن فرأيتها عرفتها حتى أتبعها فأعرف موضعها فأتبعها وأصل بينك وبينها، وأسعى لك في تزويجها، فكأن نفسي اطمأنت إلى ذلك، ووثقت به، وسكنت إليه، فقويت نفسي وتراجعت، وجاء مطر بعقب ذلك، فسال العقيق، وخرج الناس وخرجت مع إخواني، فجلسنا مجلسنا الأول بعينه كما كنا والنسوة أقبلن، فأومأت إلى ظئري فجلست حجزة منا ومنهن وأقبلت إلى إخواني فقلت: لقد أحسن القائل: «٥»[الطويل]
رمتني بسهم أقصد القلب وانثنت ... وقد غادرت جرحا به وندوبا
فأقبلت على صويحباتها وقالت: أحسن والله القائل حيث يقول: [الطويل]