بنا مثل ما تشكو فصبرا لعلّنا ... نرى فرجا يشفي السّقام قريبا
فأمسكت عن الجواب خوفا أن يظهر ما يفضحني وإياها، وعرفت ما أرادت، ثم تفرق الناس وانصرفنا، فتبعتها ظئري حتى عرفت منزلها، وصارت إلي فأخذت بيدي ومضينا إليها، فلم تزل تتلطف حتى وصلت إليها فتلاقينا على حال مجالسة، فشاع حديثنا، فحجبها أهلها، فسألت أبي أن يخطبها، فمضى أبي ومشيخة أهلي إلى أبيها، فخطبوها، فقال: لو كان فعل هذا قبل أن يفضحها لأسعفته بما التمس، فأما الآن وقد عرّها «١» فما [ص ١٠٣] كنت لأحقق ظن الناس بتزويجها إيّاه، فانصرفت على يأس منها ومن نفسي. قال معبد: فسألته أن ينزل فحبرني «٢» ، وصارت بيننا عشرة، ثم جلس جعفر بن يحيى للشرب، فأتيته وكان أول صوت غنيته في شعر الفتى، فطرب عليه طربا شديدا، فقال: ويحك، ما سمعت هذا منك قط، فقلت: إن لهذا الصوت حديثا، قال: فما هو؟
فحدثته، فأمر بإحضاره، فأحضر الفتى بين يديه، فاستعاده الحديث، فأعاده عليه، فقال: هي في ذمتي حتى أزوجك أيّاها، فطابت نفسه، فأقام معنا حتى أصبح وغدا جعفر إلى الرشيد، فحدثه الحديث العجيب، فأعجب منه، وأمر بإحضارنا جميعا، فأحضرنا وأمر أن أغنيه الصوت، فغنيته فشرب وطرب، وأمر من وقته بكتاب إلى عامل المدينة بإشخاص الرجل وابنته وجميع أهله إلى حضرته، فلم يمض إلا مسافة الطريق، فأحضروا، وأمر الرشيد بإيصاله إليه، فأوصل وخطب الجارية للفتى، وأقسم لا يخالف أمره، فأجابه أبوها، وحمل إليه الرشيد ألف دينار لنفقة الطريق، وألف دينار لجهازها وأمر للفتى بألفي دينار، ولي بألف دينار، وأمر لنا جعفر بألفي دينار لي وله، وكان الفتى بعد ذلك من ندماء جعفر بن يحيى.