[قال] : تعطش الإبل خمسا وتدنى من الماء، وأحدو أنا، فتتبع كلّها صوتي ولا تقرب الماء، فحفظ الشعر، وهو «١» : [الكامل]
إنّي وإن كان ابن عمّي كاشحا ... لمزاحم من دونه وورائه
وممدّه نصري وإن كان امرأ ... متزحزحا في أرضه وسمائه «٢»
وأكون مأوى سرّه وأصونه ... حتّى يحقّ عليّ يوم أدائه
وإذا أتى من غيبة بطريفة ... لم أطّلع ماذا وراء خبائه
وإذا تحيّفت الحوادث ماله ... قرنت صحيحتنا إلى جربائه
وإذا تريّش في غناه وفرته ... وإذا تصعلك كنت من قرنائه
وإذا غدا يوما ليركب مركبا ... صعبا قعدت له على سيسائه «٣»
قال: فلما كان الليل حدا به الحادي بهذه الأبيات، فقال: هذا والله أحثّ [ص ١٠٩] على المروءة، وأشبه لأهل الأدب من غناء بصبص، قال: فحدا به ليله أجمع، فلما أصبح قال: يا ربيع، أعطه درهما، قال: يا أمير المؤمنين، حدوت لهشام بن عبد الملك فأمر لي بعشرين ألفا، وتأمر لي أنت بدرهم! قال: إنا لله، ذكرت مالم نحب أن تذكره، وصفت رجلا ظالما أخذ مال الله من غير حله، وأنفقه في غير حقه، يا ربيع، اشدد يديك به حتى يرد المال، فبكى الحادي وقال: يا أمير المؤمنين، قد مضت به السنون، وقضيت به الديون، ولا والذي أكرمك بالخلافة ما بقي منه شيء، فلم يزل به أهله وخاصته يسألونه في أمره حتى كف عنه، وشرط عليه أن يحدو به ذاهبا وراجعا، ولا يأخذ منه شيئا.