قال الزبير وحدثتني ظبية أن حبابة غنت يوما فطرب يزيد ثم قال لها: هل رأيت أطرب [ص ١١٤] مني؟ قالت: نعم، مولاي الذي باعني «١» ، فغاظه ذلك، فكتب في حمله مقيدا، فلما قدم أمر بإدخاله إليه، فأدخل يرسف في قيده، وأمرها بالغناء، فغنت:«٢»[المتقارب]
تشطّ غدا دار جيراننا ... وللدّار بعد غد أبعد
فوثب فألقى نفسه على الشمعة، فأحرقت لحيته، وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا! فضحك يزيد وقال: لعمري إن هذا لأطرب مني، وأمر بحل قيوده ووصله بألف دينار، ووصلته حبابة بمثلها، وزودته إلى المدينة.
قال: نزل يزيد بيت ديرانية بالشام، ومعه حبابة فقال: زعموا أنه لا يصفو لأحد عيشه إلى الليل إلا «٣» يكدّره شيء، وسأجرب ذلك، ثم قال لمن معه، إذا كان غدا فلا تخبروني بشيء، ولا تأتوني بكتاب، وخلا بحبابة، فأتيا بما يأكلان، فأكلت رمانة فشرقت بحبة فماتت، فأقام لا يدفنها ثلاثا حتى نتنت، وامتنع من الأكل والشرب وخطاب الناس، وجعل يشمها ويترشفها، فعاتبه أقرباؤه وقالوا: قد صارت جيفة بين يديك، ولم يزالوا به حتى أذن لهم في دفنها، وأمر فأخرجت في نطع «٤» ، وخرج لا يتكلم حتى جلس على قبرها، قال: أصبحت والله كما قال كثير: «٥»[الطويل]
فإن تسل عنك النّفس أو تدع الصّبا ... فباليأس يسلو عنك لا بالتّجلّد