قال خارجة بن زيد: دعينا إلى مأدبة في آل نبيط فحضرتها وحسان بن ثابت، فجلسنا معا على المائدة، وهو يومئذ قد ذهب بصره، ومعه ابنه عبد الرحمن، وكان إذا أتي بطعام سأل: أطعام يد أو يدين؟ يعني باليد الثريد، وباليدين الشواء، إلا أنه يمسّ مسّا، فإذا قيل له طعام يد أكل، وإذا قيل «١» يدين أمسك يده، فلما فرغوا من الطعام أتي بجاريتين مغنيتين إحداهما رائعة والأخرى عزّة، فجلستا وأخذتا مزهريهما وضربتا ضربا عجبا بقول حسان:«٢»[المنسرح]
انظر نهارا بباب جلّق هل ... تؤنس دون البلقاء من أحد
فأسمع حسان يقول:(قد أراني هناك سميعا بصيرا) ، وعيناه تدمعان، فإذا سكتتا سكت عنه البكاء، فإذا غنتا بكت، فكنت أرى ابنه عبد الرحمن إذا سكت يشير إليهما أن تغنيا فيبكي أباه.
قال: كان بالمدينة رجل ناسك من أهل العلم والفقه، وكان يغشى عبد الله بن جعفر «٣» ، فسمع جارية لبعض النخاسين تغني:[البسيط]
بانت سعاد فأمسى حبلها انقطعا
فاستهتر «٤» بها وهام، وترك ما كان عليه، حتى مشى إليه عطاء «٥»