وصنع فيه لحنا شرب الواثق عليه بقية يومه، واستحسن شعره وغناءه وصنعته، ووصله بصلة سنية.
وكان لدخول عبد الله في الغناء سبب حكاه وقصد استهون به فحواه، واستهول عقباه حتى أصباه، وذلك أنه هوي جارية لعمته وكان لا يقدر عليها ولا يستطيع الجلوس إليها، خيفة أن يبدو حبه فتمنعه عنها، وتفطن لما بطن فلا تمكنه منها، فأسر في نفسه غرضه، وداوى مرضه بعلة ممرضة وجملة معترضة، واحتال في رأي على عمته عرضه، هو أنه أظهر لها الرغبة في الغناء وتعلمه، واستكتمها عن جده في تكتمه، فأنفت [ص ١٥٦] له عمته الغناء ومذهبه، وكرهت ما يشين أباه وجده ومنصبه، فأبى إلا طربا، وتصابى حتى صبا، وتلاعب حتى جد لعبا، وداوم حتى أحسن قوة التصنيف، فصنع صوتين أنفق عليهما جهده من التثقيف، وعرضهما على الجارية، فقالت: هذا في الصنعة فوق الاتقان، ولا يحسن أحد في الزمان أكثر من هذا الإحسان، ونمى خبر الصوتين حتى غنيا للرشيد، فسأل عنهما وعلم لمن هما، فطلب جده وحدثه بما عنده، وعتبه على إخفاء أمره، وظن أنه يعلم به وقد أخفاه عنه، فأقسم الفضل أنه إلى الآن لم يعلم أن له ولدا من الغناء بهذا المكان، ثم كان من شهرته ما كان.
وقد ذكر أبو الفرج هذه القصة فقال: قال أحمد بن المرزبان، حدثني عبد الله ابن العباس قال: كان سبب دخولي في الغناء وتعلمي إياه، أني كنت أهوى جارية لعمتي رقية بنت الفضل بن الربيع، وكنت لا أقدر عليها ولا الجلوس معها، خوفا من أن يظهر مالها عندي فيكون سببا لمنعي منها، فأظهرت لعمتي أنني أشتهي أن أتعلم الغناء، ويكون ذلك [في] ستر من جدي، وكان جدي وعمتي على حال من الرقة علي والمحبة لي لأن أبي توفي في حياة جدي الفضل، فقالت: يا بني، ما دعاك إلى ذلك؟