قلت: شهوة غلبتني، إن منعت منها متّ غمّا، وكان لي في الغناء طبع قوي، فقالت لي: أنت أعلم وما تختاره، والله ما أحب منعك من شيء، وإني لأكره أن تشتهر به فتسقط ويفتضح أبوك وجدك، فقلت: لا تخافي من ذلك، فإنما آخذ منه مقدار ما ألهو به، ولازمت الجارية لمحبتي إياها بعلّة الغناء حتى تقدمت سائرهم حذقا وصنعة، وأقررن «١» لي بذلك، وبلغت ما كنت أريده منه ومن أمر الجارية، وصرت ألازم مجلس جدي، وكان يسر بذلك ويظنه تقربا مني إليه، وانما كان وكدي فيه أخذ الغناء، فلم يكن يمر لإسحاق ولا لابن جامع ولا للزبير بن دحمان، ولا لغيرهم صوت الا اخذته، ثم أحسست من نفسي قوة في الصنعة، فصنعت أول صوت صنعته في شعر العرجي:«٢»[الطويل][ص ١٥٧]
أماطت كساء الخز عن حرّ وجهها ... وأدنت على الخدين بردا مهلهلا
ثم صنعت:«٣»[المنسرح]
أقفر من بعد أهله سرف ... فالمنحنى فالعقيق فالجرف «٤»
وعرضتهما على الجارية التي كنت أهواها، وسألتها عما عندها فيهما، فقالت: لا يجوز أن يكون في الصنعة شيء فوق هذا، وكان جواري الحارث بن