بسخنر وجواري ابنه محمد «١» يدخلن إلى جارنا، ويطرحن على جواري عمتي وجواري جدي ويأخذن أيضا ما ليس عندهن من غناء دارنا، فسمعنني ألقي هذين الصوتين على الجارية فأخذنهما مني، وسألن الجارية عنهما، فأخبرتهن أنهما من صنعتي، ثم اشتهرا حتى غنّى الرشيد بهما يوما فاستظرفهما، وقال لإسحاق: تعرفهما؟ قال: لا، وإنهما لمن حسن الصنعة ومتقنها، ثم سأل الجارية فتوقفت خوفا من عمتي، وحذرا أن يبلغ جدي أنها ذكرتني، فانتهرها الرشيد، فأخبرته القصة، فوجه من وقته فدعا بجدي فأحضره فقال: يا فضل، يكون لك ابن يغني ثم يبلغ في الغناء المبلغ الذي يمكنه أن يصنع صوتين يستحسنهما إسحاق وسائر المغنين، ويتداولهما جواري القيان ولا تعلمني بذلك؟! كأنك رفعت قدره عن خدمتي في هذا الشأن، فقال له جدي: وحق ولائك يا أمير المؤمنين ونعمتك، وإلا فأنا نفيّ منها بريء من بيعتك، وعلى العهد والميثاق والعتق والطلاق، إن كنت علمت بشيء من هذا من ولدي قط، إلا منك الساعة، فجاء جدي وهو يكاد أن ينشق غيظا، فدعاني فخرجت إليه، وقال: يا كلب، بلغني من امرك ومقدارك أن تحسن أن تتعلم الغناء بغير أمري، ثم لم تقنع بهذا حتى ألقيت صنعتك على الجواري في داري ثم تجاوزتهن إلى جواري الحارث بن بسخنر، فاشتهرت وبلغ أمير المؤمنين ذلك، فتنكر لي ولا مني، وفضحتني وفضحت آباءك في قبورهم، وسقطت إلى الأراذل من المغنين، فبكيت غما بما جرى مني، وعلمت أنه قد صدق، فرحمني وضمني إليه وقال: قد صارت الآن في أبيك مصيبتان، إحداهما به وقد مضى وفات، والأخرى فيك، وهي موصولة بحياتي، ومصيبة باقية العار عليّ وعلى أهلي بعدي، وبكى وقال: يعزّ عليّ يا