بني أن أراك على غير ما أحب، وليست لي [ص ١٥٨] في هذا الأمر حيلة، لأنه قد خرج من يدي، ثم قال: جئني بعود حتى أسمعك وأنظر كيف أنت، فإن كنت تصلح للخدمة في هذه الفضيحة، وإلا جئته بك منفردا وعرفته بخبرك، واستعفيته لك، فأتيته بعود وغنيت غناء قديما، فقال: بل غن صوتيك اللذين صنعتهما، فغنيته إياهما فاستحسنهما وبكى، ثم قال: بطلت والله يا بني وخاب أملي فيك، فواحزنا عليك وعلى أبيك، فقلت: ليتني مت يا سيدي من قبل ما أنكرته ولخرست، ومالي حيلة، ولكن وحياتك يا سيدي، وإلا فعليّ عهد الله وميثاقه، والعتق والطلاق وكل يمين يحلف بها حالف، لازمة لي، لا غنيته أبدا إلا لخليفة أو وليّ عهد، فقال لي: قد أحسنت فيما قد تنبهت عليه من هذا، ثم ركب وامرني فأحضرت ووقفت بين يدي الرشيد، وأنا أرعد، واستدناني حتى صرت أقرب إليه، ومازحني واقبل علي، وسكن مني، وامر جدي بالانصراف، واومأ إلى الجماعة فحدثوني وسقوني اقداحا، وغنى المغنون جميعا، واومأ إلى إسحاق أن أغني إذا بلغت النوبة إليّ، ليكون ذلك أملح، فلما بلغت النوبة إليّ أخذت عودا ممن كان إلى جانبي، وقمت قائما واستأذنت في الغناء، فضحك الرشيد وقال: غنّ جالسا، فجلست فغنيت لحني الأول، فطرب واستعادني ثلاث مرات، وشرب عليه ثلاثة أقداح وأنصاف، فكانت هذه حاله، فدعا مسرورا فقال: احمل إليه الساعة عشرة آلاف درهم «١» ، وثلاثين ثوبا من فاخر ثيأبي وعتيدة مملوءة طيبا، فحمل ذلك أجمع معي.
قال عبد الله: ولم أزل كلما أراد وليّ عهد أن يعلم من الخليفة بعد الخليفة الوالي، أهو أم غيره، دعاني «٢» وأمرني أن أغني، فأعرفه بيميني [فيستأذن