سيدي لست أسألك في يومي هذا ولا إلى شهر حاجة، فقال له الرشيد: أما إذ قد شرطت لي هذا على نفسك فقد اشتريت منك حوائجك بخمس مئة دينار، وها هي ذه فخذها طيبة معجلة، فإن سألتني بعدها في هذا اليوم فلا لوم عليّ إن لم أصلك سنة بشيء، فقال له: نعم، فقال له الرشيد، زدني في الوثيقة، فقال:
قد جعلت أمر أمّ صدقة إليك فطلقها منّي متى شئت، إن شئت واحدة، وإن شئت الفا، إن سألتك في يومي هذا حاجة، وأشهد الله ومن حضر على ذلك، ودفع المال إليه، ثم أذن للجلساء والمغنين فدخلوا، وشرب القوم، فلما طابت نفس الرشيد، قال ابن جامع: يا أمير المؤمنين، قد نلت بك مالم تبلغه أمنيتي، وكثر إحسانك إليّ حتى قتلت أعدائي، وليس لي بمكة دار تشبه حالي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بمال أبني به دارا وأفرشها، لأفقأ عيون أعدائي وأزهق نفوسهم، فعل، فقال: كم قدرت لذلك؟ قال: أربعة آلاف دينار، فأمر له بها ثم قام إبراهيم الموصلي فقال: قد ظهرت نعمتك عليّ وعلى أكابر ولدي، وفي أصاغرهم من قد بلغ وأريد تزويجه، ومنهم من أحتاج أن أطهره، ومنهم صغار وأحتاج أن أتخذ لهم خدما، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحسن معونتي على ذلك، فأمر له بمثل ما أمر لابن جامع.
وجعل كل واحد منهم يقوم فيقول من الثناء ما يحضره، ويسأل حاجة على قدر جائزته، وأبو صدقة ينظر إلى الأموال تفرق يمينا وشمالا، فوثب على رجليه قائما ورمى بالدنانير من كمه، وقال: يا أمير المؤمنين أقلني أقال الله عثرتك، قال له الرشيد: لا أفعل، فجعل يستحلفه ويضطرب ويلح، والرشيد يضحك ويقول [ص ١٦١] : ما إلى ذلك سبيل، الشرط أملك، فلمّا عيل صبره أخذ الدنانير فرمى بها بين يدي الرشيد، فقال: هاكها قد رددتها عليك وزدتك فرج أم صدقة، فطلقها إن شئت واحدة، وإن شئت ألفا، وإن لم تلحقني بجوائز القوم،