لحاجة، فإذا هو قد نزع ثيابه، وتجرد منها خوفا من المطر، ووقف تحت السماء لا يواريه شيء، والمطر يأخذه، فرفع رأسه فقال: يا رب أنت تعلم أني مله ولست نائحا، وعبدك هذا الذي رفعته عليّ وأحوجتني إليه، يقول لي أحسنت، ولا يقول لي أسأت، وأنا منذ جلست اقول له بنيت ولا أقول له هدمت، فيحلف بك جراءة عليك أني بغيض، فاحكم بيني وبينه يا سيدي، فأنت خير الحاكمين.
فغلبني الضحك وأمرت به فجيء، وجهدت به في أن يغني، فامتنع حتى حلفت له بحياتك أني أفرش له داره يا أمير المؤمنين، وخدعته فلم أسمّ له ما أفرشها به، فقال الرشيد [ص ١٦٣] : طيب والله [الآن] تمّ لنا اللهو، هو ذا ادعوه، فإذا رآك فسيتنجز لك الفرش، لأنك حلفت له بحياتي، فهو يقتضيك ذلك بحضرتي ليكون أوثق، فإن قال لك فيه فقل: أنا أفرشها لك بالبواري «١» ، وإن شئت فالبردي «٢» من الحصر، وحاكمه إلي، ثم دعا به فأحضر، فلما استقر في مجلسه قال لجعفر: الفرش الذي حلفت بحياة أمير المؤمنين الذي تفرش به داري تقدم فيه، فقال له جعفر: تخير إن شئت فرشتها لك بالبواري، وإن شئت فالبردي من الحصر، فضج واضطرب، فقال له الرشيد: وكيف كانت القصة؟ [فأخبره] فقال له: أخطأت يا أبا صدقة، إذ لم تسمّ النوع ولم تحدد القيمة، فإن فرشها لك بالبواري، أو بما دون ذلك، فقد وفي بيمينه، وإنما خدعك ولم تفطن أنت ولا توثقت، وضيعت حقك، فسكت وقال: نوفر عليه أيضا، البردي والبواري أعزّه الله.
وغنى المغنون، حتى انتهى الدور إليه، فأخذ يغني غناء الفلاحين والملاحين والسقائين، وما جرى مجراه من الغناء، فقال له الرشيد: وأي شيء هذا من الغناء