قال: كنت عند الرشيد فقال: يا إسحاق تغن: «١»[الوافر]
شربت مدامّة وسقيت أخرى ... وراح المنتشون وما انتشيت
فغنيته فأقبل عليّ إبراهيم بن المهدي وقال لي: ما أصبت يا إسحاق، «٢» فقلت له: ليس هذا مما تحسنه أنت، ولا تعرفه، وإن شئت فغنّه، فإن لم أجدك تخطئ فيه منذ ابتدائك إلى انتهائك فدمي حلال، ثم أقبلت على الرشيد وقلت: يا أمير المؤمنين، هذه صناعتي وصناعة أبي التي قربتني منك واستخدمتنا لك، وأوطأتنا بساطك، وإذا نازعنا أحد فلا نجد بدا من الإيضاح والذب «٣» ، فقال: لا غرو ولا لوم عليك، وقام الرشيد ليبول، فأقبل إبراهيم بن المهدي عليّ وقال: ويحك [ص ١٧٤] يا إسحاق، وتجترئ عليّ وتقول لي ما قلت يا ابن الزانية؟ فدخلني مالم أملك نفسي معه، وقلت له: أنت تشتمني ولا أقدر على إجابتك، وأنت ابن الخليفة ثم أخو الخليفة، ولولا ذلك لكنت أقول لك يا بن الزانية كما قلت لي، ولكن قولي في ذمك ينصرف إلى خالك الأعلم «٤» ، ولولاك لذكرت صناعته ومذهبه، قال إسحاق: وكان بيطارا، قال: وسكت إبراهيم، وعلمت أنه يشكوني إلى الرشيد، وأن الرشيد سوف يسأل من حضر عما جرى فيخبرونه، ثم قلت له: أتظن أن الخلافة تصير إليك فلا تزال تهددني بذلك، وتعادي سائر أولياء أخيك حسدا له ولولده على الأمر، وإن تضعف عنه وعنهم فتستخف بأوليائهم تشفيا، وإني أرجو ألا يخرجها الله عن الرشيد وولده، وأن يقتلك دونها، فإن صارت إليك- وبالله العياذ- فحرام عليّ العيش حينئذ، والموت أطيب من الحياة معك، واصنع حينئذ ما بدا لك، فلما خرج