تزايد منهما يفسد قسمة اللحن وتجزئته، وكان الصواب ما غنيته لا ما زاداه، ثم أقبل عليهما وقال يا مخنثان، قد علمت أنّكما لم تريدا بما فعلتما مدحي ولا رفعي، وأنا على مكافأتكما قادر، فضحك المأمون وقال له: ما كان ما رأيته من طربي إلا استحسانا لأصواتهما، لا تقديما لهما، ولا جهلا بفضلك.
قال إسحاق: كانت أعرابية تقدم من البادية، فأفضل عليها وكانت فصيحة، فقالت لي: والذي يعلم مغزى كل ناطق، لكأنك في عملك ولدت فينا ونشأت معنا، ولقد أريتني نجدا بفصاحتك وأحللتني الربيع بسماحتك، فلا اطّرد لي قول إلا شكرتك، ولا نسمت لي ريح إلا ذكرتك.
قال الهشامي «١» : كان أهلنا يعتبرون «٢» إسحاق فيما يقوله في نسبة الغناء واختياره، بأن يجلسوا كاتبين فهمين خلف الستارة [ص ١٨٣] يكتبان ما يقوله ويضبطانه، ثم يتركونه مدة حتى ينسى ما جرى، ثم يعيدون تلك المسألة عليه، فلا يزيد فيها ولا ينقص منها حرفا كأنه يقرأه من دفتر، فعلموا حينئذ أنه لا يقول في شيء يسأل عنه إلا الحق.
قال عبد الله بن العباس الربيعي: اجتمعنا بين يدي المعتصم، فغنى علوية:
«٣»[الطويل]
لعبدة دار ما تكلّمنا الدّار
فقال له إسحاق: شتمنا قبّحه الله، وسكت وبان ذلك فيه، وكان علوية أخذه