للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من إبراهيم.

قال يحيى بن معاذ: كان إسحاق الموصلي وإبراهيم بن المهدي إذا خلوا فهما أخوان، وإذا التقيا عند خليفة تكاشفا أقبح تكاشف، فاجتمعا يوما عند المعتصم فقال لإسحاق يا إسحاق، إن إبراهيم يثلبك ويغض منك، فقال إسحاق:

يا أمير المؤمنين، أفعل الساعة فعلا إن زعم أنه يحسنه فلست أحسن شيئا، وإلا فلا ينبغي أن يدعي مالا يحسنه، ثم أخذ عودا فشوش أو تاره، فقال لإبراهيم:

غن على هذا او يغني غيرك، واضرب عليه، فقال المعتصم: يا إبراهيم، قد سمعت قول إسحاق فما عندك؟ قال: ليفعله هو إن كان صادقا، فقال إسحاق:

غن حتى أضرب، فأبى، فقال لزرزر الكبير، غن أنت، فغنى، وإسحاق يضرب عليه، حتى فرغ من الصوت، ما علم أن العود مشوش، ثم قال: هاتوا عودا آخر (فشوشه) وجعل كل وتر منه في الشدة واللين مقدار العود المشوش الأول، حتى استويا، فقال لزرزر، خذ أحدهما، فأخذه، ثم قال: انظر إلى يدي وأفعل كما افعل واضرب، ففعل، وجعل إسحاق يغني ويضرب، وزرزر ينظر إليه ويضرب، ويعمل كما يعمل، فما ظن أحد أن في العودين شيئا من الفساد، ثم قال لإبراهيم: خذ الآن [احد] العودين فاضرب منه مبدأ أو طريقة أو كيف شئت، إن كنت تحسن شيئا فلم يفعل، وانكسر انكسارا شديدا، فقال له المعتصم:

أرأيت مثل هذا قط؟ قال: لا والله، ما رأيت، ولا ظننت أن مثله يتم ولا يكون.

قال: كان الواثق إذا صنع صوتا قال لإسحاق: هذا [ص ١٨٤] وقع إلينا البارحة فاسمعه، فكان ربما أصلح فيه الشيء بعد الشيء، فكاده مخارق عنده، وقال له:

إنما يستجيد صنعتك إذا حضر ليقاربك ويستخرج منك فإذا فارقك قال في صنعتك غير ما تسمع، قال الواثق: فأنا أحب أن أقف على ذلك، فقال مخارق:

<<  <  ج: ص:  >  >>