للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحضرت باب الرشيد يوما، فقيل لي: إنه نائم، فانصرفت فلقيني جعفر بن يحيى، فقال لي: ما الخبر؟ فقلت: أمير المؤمنين نائم، فقال لي: قف مكانك، ومضى إلى دار أمير المؤمنين وخرج إليه الحاجب فأعلمه بأنه نائم، ورجع فقال:

صربنا إلى المنزل حتى نخلو جميعا بقية يومنا، وأغنيك وتغنيني، ونأخذ في شأننا من وقتنا هذا، فقلت: نعم، فصرنا إلى منزله، فنزعنا ثيابنا ودعا بطعام فأكلنا، وأمر بإخراج الجواري وقال: لتبرزن، فليس عندنا من تحتشمنه، فلما وضع الشراب، دعا بقميص حرير فلبسه ودعا بخلوق «١» فتخلّق به، ثم دعا لي بمثل ذلك، وجعل يغنيني وأغنيه، حتى دعا بالحاجب وتقدم إليه، وأمره بأن لا يأذن لأحد من الناس كلهم، وإن جاء رسول أمير المؤمنين أعلمه بأنه مشغول واحتاط في ذلك، وتقدم فيه إلى جميع الحجاب والخدم، ثم قال: إن جاء عبد الملك فأذنوا له، يعني رجلا كان يأنس به ويمازحه ويحضر خلواته، ثم أخذنا في شأننا، فو الله إنا لعلي حالة سارة عجيبة، إذ رفع الستر، فإذا عبد الملك بن صالح الهاشمي قد أقبل، وغلط الحاجب فلم يفرق بينه وبين الذي عناه جعفر [ص ١٨٩] بن يحيى، وكان عبد الملك بن صالح من جلالة قدره والتقشف والامتناع من منادمة أمير المؤمنين على أمر جليل، وكان الرشيد قد اجتهد به أن يشرب معه أقداحا، فلم يفعل ذلك رفعا لنفسه، فلما رأيناه مقبلا، أقبل كل واحد منا ينظر إلى صاحبه، وكاد جعفر أن ينشق غيظا، وفهم حالنا، فأقبل نحونا، حتى إذا صرنا بالقرب منه، وصار إلى الرواق الذي نحن فيه، نزع قلنسيته فرمى بها مع [طيلسانه] «٢» جانبا، ثم قال: اطعمونا شيئا، فدعا له جعفر بالطعام، وهو منتفخ غيظا وغضبا، فطعم، ثم دعا برطل فشربه، ثم أقبل إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>