قال إسحاق: ذكر المعتصم يوما بعض أصحابه وقد غاب عنه، فقال: تعالوا حتى نقول ما يصنع في هذا الوقت، فقال قوم: يلعب بالنرد، وقال قوم: يغني، فبلغتني النوبة، فقال: قل يا إسحاق، فقلت إذا أقول وأصيب، قال: أتعلم الغيب؟ قلت: لا، ولكني أفهم ما يصنع وأقتدر على معرفته، قال: فإن لم تصب؟ قلت: فإن أصبت؟
قال: لك حكمك، قال: فإن لم تصب؟ قلت: لك دمي، فقال: وجب، فقلت:
وجب، قال: فقل، قلت:[ص ١٨٨] يتنفس، قال: فإن كان ميتا؟ فقلت:
تحفظ الساعة التي تكلمت فيها، فإن كان مات فيها أو قبلها، فقد قمرتني «١» ، فقال قد أنصفت، قلت: فالحكم؟ قال: احتكم ما شئت؟ فقلت: ما حكمي إلا رضاك يا أمير المؤمنين، قال: فإن رضاي لك، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم، أتري مزيدا؟ فقلت: ما أولاك بذلك يا أمير المؤمنين، قال: فانها مئتا ألف، أترى مزيدا؟ فقلت: ما أحوجني إلى ذلك يا أمير المؤمنين، قال: فإنها ثلاث مئة ألف، قلت: ما أولاك بذلك يا أمير المؤمنين، قال: يا صفيق الوجه ما نزيدك على هذا.
قال إسحاق: لم أر قط مثل جعفر بن يحيى، كانت له فتوة وظرف وأدب وحسن غناء وضرب بالطبل، وكان يأخذ بأجزل حظ من كل فن الأدب والفتوة،