للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضربت به مبدأ عجيبا ضربا صعبا فيه نقرات متحركات، فما بقي أحد منهم إلا وثب فجلس بين يدي، فقالوا: بالله يا سيدي أتغني؟ قلت: نعم، وأعرفكم بنفسي، أنا إسحاق الموصلي، والله إني لأتيه على الخليفة إذا طلبني، وأنتم تسمعوني ما أكره منذ اليوم، لأني تملحت معكم، وو الله لا نطقت بحرف، ولا جلست معكم، حتى تخرجوا هذا المعربد المقيت الغث، فقال له صاحبه: من هذا حذرتك، فأخذ يعتذر، فقلت: ما أنطق بحرف أو تخرجوه، فأخذوا بيده فأخرجوه، فبدأت فغنيت الأصوات التي غنتها الجارية من صنعتي، فقال لي الرجل: هل لك في خصلة؟ وما هي؟ قال: تقيم عندي شهرا، والجارية والحمار لك مع ما عليها من حليّ، فقلت: أفعل، فأقمت عنده شهرا، لا يعرف أحد أين أنا، والمأمون يطلبني في كل موضع، فلا يعرف لي خبرا، فلما كان بعد ثلاثين يوما، سلم إليّ الجارية والحمار والخادم، فجئت بذلك إلى منزلي، وركبت إلى المأمون من وقتي، فلما رآني قال: إسحاق، ويلك أين تكون؟ فأخبرته، فقال:

عليّ بالرجل الساعة، فدللتهم عليه، فأحضر، فسأله المأمون عن القصة فأخبره بخبرها وخبر الرجل المعربد، وما حلفت من إخراجه، فقال: أنت رجل ذو مروءة، وسبيلك أن تعان على مروءتك، ثم أمر له بمائة ألف درهم، وقال له: لا تعاشر ذلك الرجل المعربد، وامر لي بخمسين ألف درهم، وقال لي: أحضر الجارية، فأحضرتها فغنته، فقال لي: قد جعلت عليها نوبة في كل يوم ثلاثاء تغنيني من وراء الستار مع الجواري، وأمر لها بخمسين الف درهم، فربحت وأربحت.

قال إسحاق: دخلت يوما دار الواثق بغير إذن، إلى موضع أمر أن أدخله إذا كان جالسا، فسمعت صوت عود من بيت [ص ١٩٣] وترنما لم أسمع مثله قط حسنا، فأطلع خادم رأسه ثم ردّه وصاح بي، فدخلت فإذا الواثق، فقال لي: أي شيء سمعت؟ فقلت: الطلاق لي لازم، وكل مملوك لي حر، لقد سمعت ما لم

<<  <  ج: ص:  >  >>