كلها كأمور أبيه، موجه إلى الجلساء والمغنين أن يبكروا إليه يوما حدد لهم، ووجه إلى إسحاق فحضره، فقال لهم الواثق: إني عزمت على الصبوح، ولست أجلس على سرير «١» حتى اختلط بكم ونكون كالشيء الواحد، فاجلسوا معي حلقة، ولكن كل جليس إلى جانبه مغن، فجلسوا كذلك، فقال الواثق: أنا أبدأ، فأخذ عودا وغنى [ص ١٩٦] وشربوا، وغنى من بعده حتى انتهى إلى إسحاق، فأعطي العود، فلم يأخذه، فقال: دعوه، ثم غنى وغنوا دورا آخر، فلما بلغ إسحاق، لم يغن، وفعل هذا ثلاث مرات، فوثب الواثق فجلس على سريره، وأمر الناس فأدخلوا، فما قال لأحد منهم اجلس، ثم قال: علي بإسحاق، فلما رآه قال: يا خوزي «٢» يا كلب، أتبذّل لك وأغني، وترتفع عني؟!
أترى لو أني قتلتك لكان المعتصم يقيدني بك؟ [ابطحوه] فبطح وضرب ثلاثين مقرعة، وحلف لا يغني سائر يومه [سواه] ، فاعتذر وتكلمت الجماعة فيه، فأخذ العود وما زال يغني حتى انقضى ذلك اليوم.
قال إسحاق: دخلت يوما على الواثق وهو مضطجع، فقال: غنني يا إسحاق صوتا غريبا لم أسمعه منك، حتى أسر به بقية يومي، قال: وكأن الله عز وجل أنساني الغناء كله إلا هذا الصوت: «٣»[السريع]
يا دار إن كان البلى قد محاك ... فإنه يعجبني أن أراك
أبكي الذي [قد] كان لي مألفا ... فيك فآتي الدار من أجل ذاك
قال: فتبينت الكراهة في وجهه، وندمت على ما كان مني، وتجلد فشرب رطلا