فطرب الرشيد وقام على رجليه حتى استقبل أم جعفر وعلية وهو على غاية السرور، وقال: لم أر كاليوم قط، يا مسرور، لا تبقين اليوم درهما في بيت المال الا نثرته، وكان مبلغ ما نثر يومئذ ستة آلاف ألف درهم.
قال: كانت علية تقول: [من] لم يطربه الرمل لم يطربه شيء، وكانت تقول: من أصبح وعنده طباهجة «١» ولم يصطبح ضاع سروره.
قال إبراهيم بن المهدي: ما خجلت قط خجلتي من علية بنت المهدي، حين دخلت إليها يوما، فقلت لها: كيف أنت يا أختي جعلت فداك، وكيف حالك وخبرك؟ فقالت: بخير والحمد لله، ووقعت عيني على جارية لها كانت تذب عنها «٢» ، فتشاغلت بالنظر إليها وأعجبتني، وطال جلوسي ثم استحييت من علية، فأقبلت عليها فقلت لها: كيف أنت وكيف حالك جسمك «٣» جعلت فداك؟ فرفعت رأسها إلى حاضنة لها وقالت: أليس قد مضى هذا وأجبنا عنه؟
فخجلت خجلا ما خجلت مثله قط، وقمت وانصرفت.
قال محمد بن جعفر بن يحيى: شهدت أبي جعفرا وأنا صغير، وهو يحدث أباه يحيى بن خالد في بعض ما كان يخبره به من خلواته مع الرشيد، فقال: يا أبت، أخذ بيدي أمير المؤمنين، ثم أقبل في حجرة يخترقها حتى انتهى إلى حجرة مغلقة، ففتحها بيده ودخلنا جميعا، فأغلقها من داخل بيده، ثم صرنا إلى رواق ففتحه، وفي صدره مجلس مغلق، فقعد على باب المجلس، فنقر الباب [ص ٢٠٨] فسمعنا حسنا، ثم أعاد النقر، فسمعنا صوت عود، ثم أعاد الثالثة