فخرجت من عندها، والله إني كالموقر «١» بما أكره من جائزتها أسفا على الصوت، فما جسرت والله بعد ذلك أن أتنغّم به في نفسي فضلا عن أن أظهره حتى ماتت.
فدخلت على المأمون في أول مجلس جلس به للهو بعدها، فبدأت به في اول ما غنيت، فتغير وجه المأمون، وقال: من أين لك هذا ويلك؟ قلت: ولي الأمان على الصدق، قال: ذلك لك، فحدثته الحديث، فقال: يا بغيض، فما كان لك في هذا من التعاسة حتى شهرته، وذكرت هذا منه، مع ما أخذته من الجائزة. وهجنني «٢» فيه هجنة وددت معها أنني لم أذكره، فآليت على نفسي ألا أغنيه بعدها أبدا.
قال: أهديت للرشيد جارية في غاية الجمال والكمال، فخلا معها يوما، وأخرج كل قينة في داره واصطبح، فكان من حضر من جواريه للغناء والخدمة والشراب زهاء ألفي جارية في أحسن زي، وفي كل نوع من أنواع الجواهر والثياب، واتصل الخبر بأم جعفر، فغلظ عليها ذلك، فأرسلت إلى علية تشكو إليها، فأرسلت إليها علية: لا يهولنك ما رأيت، والله لأردنه إليك، قد عزمت أن أصنع شعرا، وأصوغ فيه لحنا، وأطرحه على الجواري فلا تبقى عندك جارية إلا بعثت بها إلي، وألبسيهن أنواع الثياب، ليأخذن الصوت مع جواري [ص ٢٠٧] ففعلت أم جعفر ما أمرتها به علية، فلما جاوزت صلاة العصر لم يشعر الرشيد الا وعلية قد خرجت إليه من حجرتها، معها زهاء ألفي جارية من جواريها وسائر جواري القصر، عليهن غرائب اللباس، وكلهن في لحن واحد هزج:«٣»[مجزوء الرجز]