الصناعة حتى أتقنها، ودافع فيها الشك حتى تيقنها وولع بها والأيام «١» قد لقحت بسعادته، وحملت بحظه ساعة ولادته، حتى انتهت الليلة إلى فجرها «٢» والحامل إلى شهرها، فما أجاءها المخاض حتى اغرق في السعادة، وما خاض [حتى] اتصل بالخلفاء، وحصل فوق الاكتفاء، وأثرى ثراء تضيق به الكنوز، وتضيع في معرفته الرموز، واقتنى الجواري اللاتي طلعن أقمارا، وسمعن وكان حديثهن أسمارا.
قال أبو الفرج، قال ابن المنجم: كان سبب قولهم «٣» الموصلي أنه لما نشأ وبلغ صحب الفتيان واشتهى الغناء فطلبه، واشتد اخواله عليه في ذلك، وبلغوا منه، فهرب إلى الموصل فأقام بها نحوا من سنة، فلما رجع إلى الكوفة، قال له إخوانه من الفتيان: مرحبا بالفتى الموصلي، فمرت عليه.
قال: وأول خليفة غناه إبراهيم وسمع غناءه المهدي، وكان لا يشرب وأراد من إبراهيم ملازمته وترك الشرب، فأبى وكان يغيب عنه أياما فشرب عند موسى وهارون [فحبسه المهدي وقال]«٤» لا تدخل على موسى وهارون البتة، فو الله لئن دخلت عليهما لأفعلن ولأصنعن، فقال: نعم، ثم بلغه أنه دخل عليهما وشرب معهما، وكانا مشهورين «٥» بالنبيذ، فدعاه فضربه ثلاث مئة سوط، وقيده وحبسه، فأقام مدة ثم أخرجه وأحلفه بالطلاق والعتاق، وكل يمين لا فسحة له فيها، ألا يدخل على موسى وهارون أبدا، ولا يغنيهما، وخلى سبيله.