للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وأي شيء هو؟ قال: زعم كل وأحد منا أنه أحسن غناء من صاحبه، فتسمع مني ومنه وتحكم بيننا، فقال: على اسم الله، فبدأ أبي فغنى لحنه، وتبعته [ص ٢٣٨] فغنيت لحني، فلما فرغت أقبل عليّ فقال: قد حكمت عليك عافاك الله ومضى، فلطمني [أبي] لطمة ما مر بي مثلها، وسكت فما أعدت عليه حرفا.

قال الرشيد يوما لجعفر بن يحيى: قد طال سماعنا هذه العصابة على اختلاط الأمر فيها، فهلم أقاسمك إياها فأخايرك، فاقتسما المغنين على أن جعلا بإزاء كل رجل نظيره، فكان ابن جامع في حيز الرشيد، وإبراهيم في حيز جعفر، وحضر الندماء لمحنة «١» المغنين، وأمر الرشيد ابن جامع بالغناء، فغنى صوتا أحسن فيه كل الإحسان، وأطرب الرشيد غاية الإطراب، فلما قطعه، قال الرشيد لإبراهيم:

هات هذا الصوت فغنه، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين لا أعرفه وظهر الانكسار فيه، فقال الرشيد لجعفر: هذا واحد، ثم قال لابن جامع: غنّ يا إسماعيل، فغنى صوتا ثانيا أحسن من الأول، فلما استوفاه قال الرشيد لإبراهيم: هاته يا إبراهيم، فقال: لا والله لا أعرف هذا، فقال: هذان اثنان، يا إسماعيل غن يا إسماعيل، [فغنى] ثالثا يتقدم الصوتين فلما أتى على آخره، قال: هاته يا إبراهيم، فقال:

ولا والله ما أعرفه، فقال له جعفر: أخزيتنا أخزاك الله، وأتمّ ابن جامع يومه والرشيد مسرور به، وأجازه وخلع عليه، ولم يزل إبراهيم منخذلا حتى انصرف، قال: فمضى إلى منزله، فلم يستقر حتى بعث إلى محمد المعروف بالزف «٢» ، وكان من المغنين المحسنين، وكان أسرع الناس أخذا للصوت، وكان الرشيد وجد عليه في أمر فألزمه بيته وتناساه، فقال إبراهيم للزف، إني اخترتك على من هو أحب إليّ منك لأمر لا يصلح له غيرك، فانظر كيف تكون، قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>