لا يشعر بي أحد حتى أصير إليه، وكانوا في زنيديات لي يبيتون على باب داري، فقمت فركبت في إحداها، وقصدت دار إبراهيم الموصلي، وكان قد حدثني أنه إذا أراد الصنعة لم ينم حتى يدبر ما يحتاج إليه، فإذا قام إلى حاجته في السحر، اعتمد على خشبة له في المستراح، فلا يزال يقرع عليها حتى يفرغ من الصوت ويرسخ في قلبه، فجئت حتى وقعت تحت مستراحه، فإذا هو يردد هذا الصوت:«١»[الطويل]
إذا سكبت في الكأس قبل مزاجها ... ترى لونها في جلدة الكأس مذهبا «٢»
وإن مزجت راعت بلون تخاله ... إذا ضمنته الكأس بالكأس كوكبا
أبوها نجاء المزن والكرم أمها ... ولم أر زوجا منه أشهى وأطيبا «٣»
فجاءتك صفرا أشبهت غير جنسها ... وما أشبهت في اللون أما ولا أبا
[قال] فما زلت واقفا أسمع الصوت حتى أخذته، ثم غدونا إلى الرشيد فلما جلسنا إلى الشرب جاء الخادم الي فقال: يقول لك أمير المؤمنين، يا بن أم، غنني، فاندفعت فغنيته هذا الصوت، والموصلي في الموت، حتى فرغت منه، وشرب عليه وأمر لي بثلاث مئة ألف درهم، فوثب الموصلي وحلف بالطلاق وبحياة الرشيد أن الشعر له، قاله البارحة وغنى فيه، ما سبقه إليه أحد، فقال إبراهيم: يا سيدي، فمن أين هو لي لولا كذبه وبهته «٤» ، وإبراهيم يضرب ويضج، فلما قضيت أربا من العبث به، قلت للرشيد: الحق أحق ما استعمل، وصدقته، فقال الرشيد: أما أخي فقد أخذ المال ولا سبيل إلى رده، وقد أمرت لك بمائة ألف