درهم، عوضا عما جرى عليك، ولو ابتدأت بالصوت لكان حظك، فأمر بها فحملت إليه.
وذكر أن الرشيد هب من نومه في ليلة من الليالي، فدعا بحمار كان يركبه في القصر أسود قريب من الأرض، فركبه وخرج في درّاعة «١» وشي، متلثما بعمامة وشي، ملتحفا بإزار وشي، وبين يديه أربع مئة خادم أبيض سوى الفراشين [ص ٢٤٢] وكان مسرور الفرغاني جريئا عليه لمكانته عنده، فلما خرج قال: إلى أين تريد يا أمير المؤمنين في هذه الساعة؟ قال: أردت بيت الموصلي، قال مسرور: فمضى ونحن معه وبين يديه، حتى أتى إلى منزل إبراهيم، فخرج وتلقاه، وقبل حافر حماره، وقال له: يا أمير المؤمنين، أفي هذه الساعة تظهر، قال: نعم، شوقك بي، ثم نزل فجلس في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم، فقال:
يا سيدي، أتنشط لشيء تأكله؟ فقال: نعم، خاميز «٢» ظبي، فأتي به كأنه كان معدا له، فأصاب منه شيئا يسيرا، ثم دعا بشراب حمل معه، فقال الموصلي: يا سيدي، أغنيك أم تغنيك إماؤك؟ قال: بل الجواري.
فخرج جواري إبراهيم، فأخذن صدر الإيوان وجانبيه، فقال: أيضربن كلهن أم واحدة واحدة؟ فقال: تضرب اثنتان اثنتان، وتغني واحدة واحدة ففعلن ذلك حتى مرّ صدر الإيوان وأحد جانبيه، والرشيد يسمع ولا ينشط لشيء من غنائهن، إلى أن غنت صبية من حاشية الصفة:«٣»[البسيط]
يا موري الزند قد أعيت قوادحه ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم ... إذا نظرت فلم أبصرك في الناس