للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فطرب لغنائها، واستعاد الصوت مرارا، وشرب أرطالا، ثم سأل الجارية عن صانعه، فأمسكت، فاستدناها فتقاعست، فأمر بها فأقيمت، حتى أقيمت بين يديه، فأخبرته بشيء أسرته إليه، ودعا بحماره فركبه وانصرف، ثم التفت إلى إبراهيم فقال: ما ضرك يا إبراهيم ألا تكون خليفة، فكادت نفسه تخرج، حتى دعا به بعد ذلك وأدناه، وكان الذي أخبرته به الجارية أن الصنعة في الصوت لأخته علية وكانت لها، وجهت بها [إلى] إبراهيم تطارحه.

قال لي إبراهيم، قال لي الرشيد يوما: يا إبراهيم، بكّر غدا حتى نصطبح، فقلت:

أنا والصبح كفرسي رهان، فبكرت فإذا به خال وبين يديه جارية كأنها خوط بان «١» او جدل «٢» عنان، حلوة المنظر، دمثة الشمائل في يدها العود، فقال لها:

غني، فغنت في شعر أبي نواس، وهو هذا: «٣» [الطويل]

توهمه قلبي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من ناظري أثر

ومر بفكري خاطرا فجرحته ... ولم أر جسما قط يجرحه الفكر

[ص ٢٤٣] وصافحه قلبي فآلم كفه ... فمن غمز قلبي في أنامله عقر

قال إبراهيم: فذهبت والله بعقلي، حتى كدت أفتضح، فقلت: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: التي يقول فيها الشاعر: «٤» [الوافر]

لها قلبي الغداة وقلبها لي ... فنحن كذاك في جسدين روح

قال: ثم شرب أرطالا وسقاها، وقال: غن يا إبراهيم، فغنيت حسب ما في قلبي

<<  <  ج: ص:  >  >>