يستباح منه إلا ما على الطرف المخضب من عنمه، والقلعة مسرح ظباء، ولا عقرب إلا بصدغ مليحة، ولا سيف يسل إلا بكرة صبيحة فقطع تلك المدد والدهر غافل، والبر سحابه حافل، والبدر في تلك الآفاق طالع غير آفل، ودخان الند يعقد سماء، وخدود الملاح يشرب ماء، ثم مات حيث تلاشى ذماء «١» الجود، ومص الثرى بقية الماء من الفرد.
أصله من أبناء الكتّاب، وكتب خطا حسنا، وقرأ طرفا من النحو والعربية، واتقن علم الموسيقا، وحفظ كثيرا من الشعر للقدماء والمحدثين، ونقل الأصوات المشهورة، وحفظ كثيرا من نوب عبد المؤمن وانخرط في سلك الندماء، وأهل المحاضرات، وملح وندر، وحكى الحكاية والخبر، وخدم ملوك ماردين «٢» واتصل بهم، وحكي أنه حظي عند الملك الصالح شمس الدين وراج لديه، وسمع به السلطان الناصر فاستدعاه، وأقبل عليه غاية الإقبال، وكان له مكانة لم يبلغها أحد من أمثاله، وأمره بملازمة الجواري وتعليمهن ويلقي عليهن الأصوات، حتى تخرج غالب الجواري المحسنات، وكان يتردد إلى باب الستارة في كل يوم، وتخرج إليه الجواري، وكان مجيدا في الغناء، متقنا في سائر الخفيف والثقيل منه، غاية في ضرب الجنك «٣» العجمي وتأليف الأنغام عليه، ولا يكاد يثبت سامعه لشدة الطرب، وكان يقيم بمصر المدد الطويلة، ثم يسأل في العود إلى ماردين فيؤذن له، فلا يكاد يصل [ص ٣٣٣] ماردين ويستقر بها إلا وجهز السلطان في طلبه وبحث في سرعة عوده، فإذا وصل ضاعف الإكرام وعومل