للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأكثر مما يعهد، وحصّل بهذا أموالا جزيلة، ونعما كثيرة والأنزال التي تزيد على عادة مثله، وحضرت مجلس السلطان مرة وعنده موسى بن مهنا، وكلاهما يضرب بالجنك بين يديه، فرأيت موسى بن مهنّا على سكونه العظيم ووقاره يميل يمنة ويسرة، وكان كتيلة ذلك اليوم كله يردد صوتا صنعه، والصوت: [البسيط]

يا دار عّزة من للواله الباكي ... بنظرة يتملّى من محيّاك

ما هبّ من أيمن الوادي نسيم صبا ... إلا وكان الهوى العذريّ يمناك

تحمّلي واحملي يا نوق واصطبري ... على المسير فهذا من سجاياك

ولم يبق أحد من غلمان الدار وأعيان الأمراء، حتى هزه الطرب، ولولا مهابة السلطان لرقصوا، فلما فرغ مما هو فيه، أثنى السلطان عليه، وقال لموسى بن مهنا: كيف رأيت؟ فقال والله ظننت أنه يجذبني إليه، ولو لم أملك نفسي لوقعت عليه، وأمر له السلطان بألف دينار يتّجر بها، وكتب له توقيع مسامحة بما يجب عليه فيها من الموجبات الديوانية في السفر دائما صادرا وواردا، ومضى يوم عجيب لم ير مثله، ودخلت على السلطان يوما آخر وهو عنده، وقد أخذ في صوت صنعه، والصوت: [الطويل]

سلام على ليلى وليلى بعيدة ... ولكنّها طيف إليّ قريب

بديعة حسن مالها من مماثل ... إذا طلعت شمس النهار تغيب

كما أنّ قلبي في البلاد متيّم ... كذا حسن ليلى في الحسان غريب

وكان الكتيلة يجيء إليّ في حوائجه التي تكون له عند السلطان، وكان كامل الأدب وافر المروءة، حسن الخلق، جميل العشرة، يرجع إلى كرم وطيب أعراق، وكان بينه وبين الكمال التوريزي ما يكون بين أرباب كل فن من المنافسة والحسد، وكان السلطان قد سمع بالكمال، وجاءته الأخبار بأنه فرد من أفراد

<<  <  ج: ص:  >  >>