ألا طرقتنا أم سلم وأرقت ... فيا حبذا إلمامها وطروقها
فيا ليتني حمت لنفسي منيتي ... ولم تتعلقني لحين علوقها
وردّدته حتى أجادته، فلما استدعى الحكم جواريه، دخلت عزيز من باب المضرب وهي تغنّي هذا الصوت، فاهتز الحكم حتى خرج عن فرشه وقال: لله أنت يا عزيز، ما أبصرك بمواقع البلوى، وأعرفك بمواضع الشكوى، لمن الشعر؟
فقالت: إنه لرجل من بني النمر بن عثمان، فقال: والله أنت أحق منه، إذ أتيت به كأنه صيغ لما نحن فيه، ثم أمرها بإعادته، وبعث لوقته من أحضر حينا، وأقام في منتزهه أياما كأنما كانت أحلاما، وأمر لعزيز بعشرة آلاف، وأمرت لها حين بمثلها، ثم كانت تصفيها الودّ مدة حياة الحكم.
وحكي أنه استدعى بها في غرة يوم طلعت شمسا في صباحها وكأسا لا صطباحه، وكان [ص ٣٦٩] الحكم لا ينال اللذات إلا سرا، ولا يلم بالشراب حتى يلقي عليها سترا، ولا يجالس إلا من داخل ستارة، ولا ينافس في القمر إلا من دائرة دائرة، خوفا من فضيحة الاشتهار، وفرارا من علن الإظهار، وظل يقترح يومه عليها وعلى سائر جواريه الأصوات، ويحث المدام بها في الخلوات، إلى أن صدع الليل زجاج النهار، وبان في جفن عين الشمس الانكسار، وشرعت تنكر الجواد، وتقبل شيعة الليل من الشرف بشعار السواد. قال الحكم: هل فيكن من ينظم في هذا الشعر؟ فبدرت عزيز فقالت:[الخفيف]
قد تقضي النهار إلا بقايا ... من شعاع مخلّف للأصيل «١»
وأتانا الظلام من جهة الشر ... ق فأهلا منه بخير نزيل