باقيهم أباه الأملاك، ويقول كما قال جده عبد الملك نحن كذلك، فسعى مدامعه البشام، وأسف لطيب أيام، لو تكون له بالشام وهي الأيام لا تذر، ولا تصفح عمن أضر واعتذر، سلبتهم جلباب ذاك الأوان، وفعلت بهم فعلها بصاحب الإيوان، إلا أنهم عمرو الأندلس بالملاذ، وغنوا بها عن دمشق وبغداد، وداموا بها، إلا أن كل نعيم إلى نفاد.
ولها أصوات فمن مشهورها قولها:«١»[مجزوء الرمل]
يا شبية البدر في الحس ... ن وفي بعد المنال
[ص ٣٧٢]
جد فقد تنفجر الصّخ ... رة بالماء الزّلال
والشعر لابن الرومي، والغناء فيه في الهزج.
وحكي أن الحكم جلس في مجلس له يمتد فيه طلق النظر في فسيح الفضاء، وقد خلا بلذاته، وأقبل على أنسه، وجمع جواريه واقترح عليهن الأصوات، وجعل بينهن الخيار، فلم تبق واحدة منهن حتى بلغت جهدها فيما أتت به، فلما تصرم المجلس أو كاد، وبرز جنح العصر في مجسد من جساد ورق ليصدع زجاجته، وبرق نهر النهار لأنفته من محاجّته، أقبل عليهن وقال لهن: أيّتكنّ تضع لحنا في شعر من أشعار عشاق العرب يحسن لديّ موقعه، ويزلف له في قلبي موضعه، حكمت لها على صاحباتها، وأجبتها إلى ما تمنّت، فلم يبق منهنّ إلا من صنع لحنا، وأبدع فيه حسنا، وهو لا يقبل عليه ولا يلتفت إليه، حتى اندفعت بهجة تغني هذا:«٢»[الطويل]