وإن نحن أخفينا ضمائر حبنا ... أشارت بتسليم علينا الحواجب
والشعر فيه مجهول، فبكى عبد الرحمن لبكائها، وطفق يضمها إليه، ثم أقبل على جواريه فقال: هلا كان فيكن واحدة فعلت مثل فعلها، ثم أمر بأن تخرج معه فأبت، فقالت: والله لا خرجت إلا أنا وصويحباتي، قال: فليخرجن، ثم خرجن معه، فلم يكن أحسن من ذلك المربع، ولا من أيام مضين فيه.
وحكي أن عبد الرحمن نظر إلى جارية عند بعض نساء الحرائر فأحبها، وفطنت الحرة لذلك، فحجبت الجارية عن نظره، وطالت مدة حجابها، وزيادة ما يجده من الجوى بها، ونمي الخبر في جواريه، واستفاض حال غرامه بها وعدم قراره لأجلها، فصنعت رداح صوتا وجودته ثم دخلت عليه وهي تغني به، والصوت:«١»[الطويل]
تمسك بحب الأخيلية واطرح ... عدا الناس فيها والوشاة الأدانيا
فإن يمنعوا ليلى وحسن حديثها ... فلم يمنعوا مني البكا والقوا فيا
يلومك فيها اللائمون فصاحة ... فليت الهوى باللائمين مكانيا
لو انّ الهوى في حب ليلى أطاعني ... أطعت ولكن الهوى قد عصانيا
[ص ٣٩٦]
والشعر لتوبة بن الحميّر، والغناء فيه كان في مذهب شيخي، لم يتمالك معه عبد الرحمن أن فاضت عينه بالبكاء، وقال: ما الحيلة يا رداح؟ قالت: عزيمة مثلك، قال: هيهات أن تنفع العزيمة، ولكن قد يجيء في أحداث الدهر مالا يتوقعه المنتظر، فنقل المجلس إلى تلك الحرة، فقالت: هو ولي النعمة وأنا أمته